خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ
كنْتُ عاشِرَ عشرةٍ في مسجِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقام فتًى من الأنصارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا. قال: فأيُّ المُؤمنينَ أكيسُ؟ قال: أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم استعدادًا قبلَ أنْ ينزِلَ به، أولئك الأكياسُ. قال: ثمَّ إنَّ الفتى جلَسَ، فأقبَلَ علينا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا معشرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ-: لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم. ثمَّ أمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ يَتجهَّزُ لسَرِيَّةٍ يبعَثُه عليها، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ وقد اعتَمَّ بعمامةٍ كَرابيسَ سوداءَ، فنقَضَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعمَّمَه، وأرخى من خلْفِه أربعَ أصابعَ أو قريبًا من شِبْرٍ، ثمَّ قال: هكذا فاعتَمَّ يا ابنَ عوفٍ؛ فإنَّه أعرَفُ وأحسَنُ. ثمَّ أمَرَ بِلالًا، فرفَعَ إليه اللِّواءَ، فعقَدَه، ثمَّ قال: خُذْ يا ابنَ عَوفٍ، فسَمِّ اللهَ، واغْزُوا في سَبيلِ اللهِ، فقاتِلوا من كفَرَ باللهِ، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تَقْتلوا دابَّةً؛ فهذا عهدُ اللهِ فيكم وسُنَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة
الصفحة أو الرقم: 7/445 | خلاصة حكم المحدث : سنده رواته ثقات
يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم
الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 7978 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
التخريج : أخرجه ابن ماجه (4019)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4671)، والحاكم (8623) باختلاف يسير.
ظهورُ الأمراضِ والابتلاءاتِ في الأُمَمِ هو نَوعٌ من العُقوبَةِ التي يَضرِبُ اللهُ عزَّ وجلَّ بها الناسَ إذا كَثُرَ فيهم الفسادُ والمعاصي.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خَمسٌ إذا ابتُليتُم بهنَّ"، أي: ظَهَرتْ وتَفَشَّتْ، وهذه النواهي الخَمسُ تَشمَلُ جَميعَ المُسلِمينَ، وخُصَّ النِّداءُ بالمُهاجِرينَ بما يقعُ عليهم من مُشتمَلاتِ الدَّعوةِ، وتَرسيخِها فيهم، وما يتولَّوْنَه من بعدِه من الولايةِ على المُسلِمينَ، وأُطلِقَ الابتلاءُ على المُنكَراتِ كما سيأتي في هذا الحديثِ لِمَا يَتحقَّقُ من أَثَرِ ارتكابِها غَضَبٌ وسَخَطٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ، ولعلَّ تَحقيقَ هذا الأَثَرِ سَبَبٌ في تَركِ تلك المُنكَراتِ، "وأعوذُ باللهِ أنْ تُدرِكُوهنَّ"، وهذا من بابِ الدُّعاءِ لهم من الوُقوعِ في الشَّرِّ والمهالِكِ، ثم بيَّن لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه الخَمسَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الأُولى: "لم تظهَرِ الفاحِشَةُ في قومٍ قَطُّ حتى يُعلِنوا بها، إلَّا فَشا فيهم الطاعون"، أي: إذا ظَهَرَ فيهم الزِّنا وجاهَروا به، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعاقِبُهم بفُشوِّ الطاعونِ وانتشارِه، وهو مرضٌ ووَباءٌ عامٌّ يَكثُرُ بسَبَبِه الموتُ، "والأوجاعُ التي لم تكُنْ مَضَتْ في أسلافِهم الذين مَضَوْا"، أي: أنَّ تلك الأمراضَ وأوجاعَها لم تكُنْ ظَهَرتْ من قبلُ في الأُمَمِ السابِقَةِ، وهذا إشارةٌ أنَّها علامةٌ ظاهِرَةٌ ومُحقَّقةٌ لجريمةِ تَفشِّي الزِّنا.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الثانيَةِ: "ولم يَنقُصوا المِكيالَ والميزانَ "، ونقصُ المِكيالِ والميزانِ هي سَرِقةُ ما يُكالُ ويُوزَنُ عندَ البيعِ والشِّراءِ، "إلَّا أُخِذوا بالسِّنينَ"، أي: أصابَهم اللهُ بالقَحْطِ، والجَفافِ، وعَدَمِ نُزولِ المَطَرِ، وقِلَّةِ الماء، "وشِدَّةِ المَؤُونَةِ"، أي: الغَلاءِ وقِلَّةِ الزادِ والقوتِ، "وجَورِ السُّلطانِ عليهم"، أي: ظُلمِ الوُلاةِ لهم.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الثالِثَةِ: "ولم يَمنَعوا زَكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعوا القَطْرَ من السَّماءِ"، أي: مَنَعَ اللهُ عنهم المَطَرَ، "ولولا البَهائِمُ لم يُمطَروا"، أي: ولولا وُجودُ البهائِمِ ما نَزَلَ عليهم المَطَرُ من السَّماءِ؛ لأنَّهم لا يستَحِقونَه، وهذا دليلٌ على شِدَّةِ غَضَبِ اللهِ عليهم؛ لأنَّه ما رَزَقَهم إلَّا من أجلِ البهائِمِ، وكأنَّ البهائِمَ تكونُ عندَ اللهِ أفضَلَ منهم، إذا فعَلوا هذه الأعمالَ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الرابِعَةِ: "، ولم يَنقُضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه "، أي: إذا أخَلُّوا بالعُهودِ والمَواثيقِ التي أخَذَها اللهُ ورسولُه عليهم من الوَفاءِ لكُلِّ ذي عهدٍ وميثاقٍ، "إلَّا سلَّط اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم"، أي: استَولَوْا على بعضِ ما عندَهم من الأموالِ، والمُمتلَكاتِ، والبُلدانِ.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الخامِسَةِ: "وما لم تَحكُمْ أئِمَّتُهم بكتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ ويتخَيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ"، أي: إذا امتَنَعَ الأئِمَّةُ عن الحُكمِ بما جاءَ في كِتابِ اللهِ كُلِّيةً، أو اختاروا بعضَ ما فيه مما لهم فيه مَصلحةٌ، فطبَّقوه وأمَروا به، وامتَنَعوا وعطَّلوا بقيَّةَ أحكامِه، فكانوا كمَن يُؤمِنون ببعضِ الكِتابِ ويَترُكون بعضَه، "إلَّا جَعَلَ اللهُ بأسَهم بينهم"، أي: جَعَلَ اللهُ بعضَهم أعداءً لبعضٍ؛ لأنَّه صار أمرُهم على الدُّنيا؛ فنُزِعَ من قُلوبِهم الخيرُ، وحَلَّتْ عليهم عُقوبةُ رَبِّ العالَمين سُبحانَه.
وتلك العُقوباتُ إنَّما تكونُ لمُرتَكِبِها في الدُّنيا، ويَبقى له عذابُ الآخِرَةِ ما لم يَتُبْ وينخَلِعْ عن هذه المُنكَراتِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ من المعاصي؛ لأنَّها تَجلِبُ الابتلاءاتِ والعُقوباتِ على الناسِ.
وفيه: علامَةٌ من عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم( ).
0 التعليقات: